أطول طابور شاهدته حتى الآن هو الطابور الذى شاهدته واقفاً أمام معرض الكتاب هذا العام، رجال ونساء، شباب وشيوخ وأطفال، طبقات مختلفة، من القاهرة ومن المحافظات، كوكتيل مصرى بجد، التوقيت حرج ودلالات هذه الطوابير لا تخطئها العين، فبرغم الإرهاب وبرغم القنابل وبرغم الفزع الذى يريد نشره الإخوان فى ربوع مصر فإن هذا الشعب مصر على الحياة، مصر بل عنيد فى إصراره على أن يتحول معرض الكتاب إلى مهرجان بهجة، قال صديقى: كل هذه الطوابير لم تحضر من أجل الكتاب، قلت له: وماله؟! المهم خلق علاقة بينهم وبين الكتاب حتى بالفرجة، بالبلدى يتكعبلوا فى الكتب خيراً من ألا يشاهدوا أو يتفاعلوا أو يتعاملوا مع كتاب على الإطلاق، المهم أن نخلق حالة القراءة ولو بالمشاهدة والفرجة واللمس وتقليب الصفحات وقراءة العناوين، قال لى الصديق الممتعض: دول قاعدين ياكلوا شيبسى ويمضغوا لبان ويلتهموا ساندوتشات الشاورمة والفلافل!! قلت له مافيش مشكلة على الإطلاق فهذا الزخم مهم، منهم من سيدخل بكيس الشيبسى ندوة عن محمد عبده، ومنهم من سيتعب من السير فيستريح على كرسى فى ندوة أدونيس يسمعه وهو يتحدث عن الخطاب الدينى الجديد، ومنهم من سيجبره طفله على دخول مخيم الأطفال ليتعلم الرسم أو يسمع الحكايات، هناك من سيجذبه عنوان ندوة المقهى الثقافى، وهناك من ستشده فرقة الفنون الشعبية، وهناك من سيستمع إلى شعراء العامية والفصحى، هذه الحالة مهمة، يرسل بها المصريون إلى أغبياء الإرهاب أن حركة الحياة وعجلة العيش لن تتوقف بقنبلة أو هاون أو كلاشينكوف، تقول الطوابير ويقول الزحام إن الحياة تستحق أن تعاش حتى ولو من خلال صفحات كتاب، شاهدت نظرات الإعجاب والدهشة من بعض الناشرين العرب والأجانب كيف حدث هذا الحشد والزحام وأفاعى الموت وضباع الإرهاب تلهث فى كل شبر وراء المصريين تريد أن تغرس أنيابها الجائعة فى لحم الغلابة؟! إنهم لم يفهموا بعد كتالوج هذا الشعب وهؤلاء الناس، لم يفهموا حيل المصريين الدفاعية التى تجعلهم يشكلون مزاجهم وحياتهم طبقاً للظروف وتحقيقاً لشعار «ياما دقت ع الراس طبول». شكراً للدكتور أحمد مجاهد وفريقه المساعد الذى شاهدته وشاهدتهم بنفسى كخلية النحل يشرفون على كل تفصيلة ولا يستسلمون للإرهاق الرهيب القاتل الذى يتعدى حدود احتمال أى بشر.. إنه عرس ثقافى حقيقى حتى ولو لم يخرج إلا ربع الحاضرين حاملين أكياس الكتب فإننا سنظل أمام إنجاز مصرى رائع.